مفاهيم خطرة
بلدي أولاً
حدثنا عبد الباقي بن قانع الحافظ ببغداد ثنا عبيد الله بن احمد بن الحسن المروزى ثنا إسحاق بن
بشر ثنا مقاتل بن سليمان عن حماد عن إبراهيم عن عبد الرحمن بن يزيد عن بن مسعود مرفوعاً(من
أصبح وهمه غير الله فليس من الله في شيء ومن لم يهتم للمسلمين فليس منهم . (1)
من المفاهيم الجديدة والخطرة التي خلعها علينا الاستعمار - ولا يزال يفعل ذلك – مفهوم " بلدي أولاً"
حيث جاء توقيت هذا المفهوم في إطلاقه على المسلمين ليلبس عليهم فكره وحدتهم وعقيدتهم متناغما
مع المرحلة السياسة والفكرية الدقيقة التي تمر بها أمة الإسلام من ضعف وتشرذم وفرقة وتغلغل
لأفكار الكفر في عقولهم وكذلك جاء متناغماً مع الموقف العسكري الأليم في بعض بلدان المسلمين
من احتلال غاشم لها من قبل قوى الاستعمار الكافرة.
تدعو هذه الفكرة وهذا الشعار المسلمين بأن يهتم كل قطر ( مزقه ) منهم بشئونه الخاصة الداخلية
وأن يلغي ما يربطه بغيره من بلاد المسلمين من روابط بحيث يصبح كل قطر من هذه الأقطار قائما
بذاته ولا يهتم بغير نفسه * فان احتل العراق فلا يعنيه ذلك وان اغتصبت فلسطين فلا يعمد إلى
إرجاعها من مغتصبيها وان انتهكت أعراض المسلمين في أفغانستان فلا ينتصر لهم وان غزي لبنان
فلا يثأر له *بل ويغلق عليه بابه عن كل هذه المصائب * بينما رسول الله (ص) يذم كل ذلك ويقول
" من أصبح وهمه غير الله فليس من الله في شيء ومن لم يهتم للمسلمين فليس منهم ". (1)
كان إطلاق هذا الشعار سببه أن شعر الاستعمار بل وغلب عليه بأنه لن يقوى على أن يواجه جميع
المسلمين مجتمعين – بالرغم مما هم فيه من تشرذم وفرقة – إلا إذا انفرد بكل بلد منها على حدة
أو بأقل عدد منها في أسوأ احتمال* ولهذا بدأ يجتهد في أن يهدم فيهم أصل فكرة الاتحاد
والجماعة من خلال إلباس أفكار مدسوسة دخيلة على فكر المسلمين وعقيدتهم تحت مظلة الوطنية
والعصبية وكذلك القومية البغيضة* فالأردني يقول الأردن أولا والفلسطيني يقول فلسطين أولا
فالسوري بقول سوريا أولا والمصري يقول مصر أولا وهكذا .. انتساباً ودعوةً للعصبية والقومية
ورسولنا الأكرم يقول ( ليس منا من دعا إلى عصبية أو قاتل عصبية ) وقال ) من قتل تحت راية عمية
يدعو عصبية أو ينصر عصبية فقتلته جاهلية ) (2). فالدعوة إلى مثل هذا الشعار وترويجه في بلاد
المسلمين من قبل الاستعمار وزبانيته هو نقيض لدعوة الإسلام إلى التجمع والاتحاد * يقول رب
العزة (وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ
قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ
آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) (3) * لذا فهذه الدعوة لا تجوز مطلقاً من ناحية شرعية كونها تخالف قطعاً ما
أمرت به العقيدة وطلبه الشارع طلبا جازماً* وكذلك حسب ما جاء في وصف رب العالمين لأمة
المسلمين في انها أمة واحدة من دون الناس * قال تعالى (إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ
فَاعْبُدُونِ ) (4)
أما من الناحية السياسية والإستراتيجية * والعالم اليوم يتجه بشرقه وغربه إلى الاتحاد تحت كل
المسميات والعناوين لأنه علم انه لا سيادة لهم على العالم أو بسط نفوذهم على أي جزء منه لا
يكون بالعمل المنفرد لأنه اضعف ولا يؤتي الأكل نفسها في حالة كان الاتحاد قائما. فنظرة إلى
توجه قوى الاستعمار اليوم نجده عندما غزا بلاد المسلمين في العراق وأفغانستان جاء بأحلاف
عسكرية ضمت تحتها العديد من الدول وها هي روسيا الملحدة حتى بعد أن نفضت الاتحاد الاشتراكي
عنها فهي لا تزال تحتفظ بالعديد من الدول تحت سيادتها * وكذلك أوروبا الحاقدة فهي ساعية
في مشروع الاتحاد الأوروبي ليوحدها وان كان الاتحاد شكليا * وأما أمريكا فلا يخفى على احد
كيف هي تشكيلة ولاياتها.. فهل ينادي احد - أي أحد- من أبناء هذه الدول ببلده أولا ؟؟
لقد علم الكفار أن المناداة بهذا الشعار وهذه الفكرة إنما هو عزلة سياسة بل وانتحار سياسي يسه
ل عندها افتراس تلك البلد المنادية بهذا الشعار تطبيقا لمبدأ ( إنما يأكل الذئب من الغنم القاصية )
لأنها حينئذ تكون قد سلخت نفسها عن امتدادها الفكري والعقدي * ووجدوا انه من الضروري تسويق
هذا الشعار في بلاد المسلمين ومن خلال أعوانهم فيها لان هذه البلاد تحمل بذور الوحدة الحقيقية
التي تخشاها بلاد الكفر * فبدأوا يروجون لهذا الشعار تحت اهداف معلنة كاذبة من انهم لا يريدون
التدخل في شؤون غيرهم وجعلهم يمارسون ارادتهم بحرية في بلادهم دون تدخل احد واحيانا قالوا
انما يفعلون ذلك دعما لهذه البلاد واحتراما لسيادتها ! * وهذا كله لاخفاء الوجه الحقيقي لتهداف
الاستعمار واعوانه في ضرب بلاد المسلمين وغزو بلادهم الواحدة تلو الاخرى كلما سنحت الفرصة
دون ادنى مقاومة .
إن فكرة مثل فكرة " بلدي أولا " لم تكن ليروج لها في بلاد المسلمين لولا هدم حاضرة الدولة
الإسلامية العثمانية وجامعة بلاد المسلمين تحت لواء العقيدة * ولولا وجود اتفاقية سايكس بيكو
التي كرست تجزيء بلاد المسلمين بعد هدم دولة الخلافة مما فتح المجال واسعا أمام قوى
الاستعمار ليحولوا دون رجوع هذه الدولة وهذا المارد الذي يهدد قواهم بل ووجودهم * فعمدوا
إلى تقطيع أوصال أراضي المسلمين من تركة دولة الخلافة ليبددوا ما عندهم من مخاوف لعودة
بلاد المسلمين بلدا واحدا الأمر الذي سيجعل عندها عودة الخلافة امرأ حتميا وسيكون ما لا تحمد
عقباه. لهذا كون المستعمرون الكيانات القطرية الراهنة، ولكن الذي رسخ وجودها هم الحكام
المتعاقبون حتى صرنا اليوم نسمع العديد منهم يهتفون ليلاً ونهاراً بلادي أولاً. ويزيد البعض
فيقول بلادي أولاً وأخيرا * حفاظاً على كراسيهم وعدم تهديدها بسبب ما يحدث في دول الجوار
من بلاد المسلمين مخافة تصدير الحروب والأزمات إلى بلادهم.
ولا بد لنا من ان نتفحص مدى نجاح الاستعمار في نشر شعاراته وبث سمومه في بلاد المسلمين
على الارض* فهذا الشعار اطلقه الاستعمار عشية غزوه للعراق وعندما نشات المقاومة التى لا
زالت تكيل له الضربات الموجعة والمذلة * حيث اراد بهذا الشعار عدم رفد المقاومة في العراق
وخاصة من دول الجوار.
فنحن امة اعزها الله وأكرمها بالعقيدة الاسلامية * ولا يزال طائفةمن المسلمين على الحق ظاهرين
لعدوهم قاهرين مهما كاد لهم الاستعمار وحاك الدسائس للنيل من عقيدتهم وتماسكهم وسعيهم
في طريق الحق* فقد خاب فألهم وذهبت.